جويرية بنت الحارث
أم المؤمنين
ما أعلم امرأةً أعظمُ بركة منها "
" على قومها
السيدة عائشة
جُوَيْرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية
كان اسمها ( برَّة ) فسمّاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( جويرية )
ولدت فبل البعثة بنحو ثلاثة أعوام تقريباً ، وتزوجها الرسول الكريم وهي
ابنة عشرين سنة ، وكان أبوها الحارث سيّداً مطاعاً ، قدم على النبي -صلى
الله عليه وسلم- فأسلم
الأسر
وفي السنة السادسة للهجرة ، وبعد غزوة بني المصطلق أصاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبياً كثيراً قسّمه بين المسلمين ، وكان ممن أصاب يومها من السبايا جويرية بنت الحارث ، فلما قسّم السبايا وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مُلاّحة ، ولا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تستعينه في كتابتها ، وقالت له
يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي ) قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
فهل لك في خير من ذلك ؟) قالت
وما هو يا رسول الله ؟) قال
أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ) قالت
نعم يا رسول الله ) قال
لقد فعلت )
العتق
وخرج الخبر الى الناس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تزوّج جويرية ، فقال الناس
أصهار رسول الله ) وأرسلوا ما بأيديهم ، قالت السيدة عائشة
فلقد أعتق بتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها )
والدها الحارث
أقبل الحارث ( والد جويرية ) الى المدينة بفداء ابنته ، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيّبهما في شِعْبٍ من شعاب العقيق ، ثم أتى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال
يا محمد أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فأين البعيران اللذان غَيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا ؟) فقال الحارث
أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ! فوالله ما اطّلع على ذلك إلا الله ) فأسلم الحارث ومعه ابنان له ، وناس من قومه ، وأرسل الى البعيرين فجاء بهما
بيت النبوة
ولقد عاشت أم المؤمنين ( جويرية ) في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كزوجة كريمة مُعزّزة ، فكانت خير مثل يُحتذى في رعايتها لبيتها وزوجها وحسن عشرتها معه -صلى الله عليه وسلم-
ولقد كانت كثيرة الإجتهاد بالعبادة لله تعالى ، والإكثار من ذكره المبارك ، والصوم وفعل الخيرات وكان يحرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تعليمها أمور دينها فقد دخل عليها في يوم جمعة وهي صائمة فقال لها
أصَمْتِ أمس ؟) قالت
لا ) قال
أتريدين أن تصومي غداً ؟) أي السبت مع الجمعة قالت
لا ) قال
فأفطري ) لكراهة ذلك
وفي أحد الأيام خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عندها بُكْرَةً حين صلّى الصبح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال
مازلت على الحال التي فارقتك عليها ؟) قالت
نعم ) قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
لقد قُلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مراتً ، لو وزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوَزَنتهنّ : سبحان الله وبحمده عدَدَ خَلْقِه ورضا نفسه ، وزِنة عرشه ، ومِداد كلماته )
وفاتها
توفيت -رضي الله عنها- بالمدينة بعد منتصف القرن الأول من الهجرة سنة ستٍ وخمسين على الأرجح ، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة آنذاك ، وقد بلغت سبعين سنة فرحمها الله
أم حبيبة بنت أبي سفيان
أم المؤمنين
قد كان يكون بيننا ما يكون بين "
" الضرائر ، فتحلَّليني من ذلك
أم حبيبة
هي رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
وُلِدَت قبل البعثة بسبعة عشر عاماً ، أسلمت قديماً وهاجرت الى الحبشة
مع عبيد الله بن جحش ، تُكنّى أم حبيبة ، تزوّجها رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وهي في الحبشة ، وقدمت عليه سنة سبع
الهجرة والمحنة
لمّا اشتد الأذى من المشركين على الصحابة في مكة ، وأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمستضعفين بالهجرة بدينهم الى الحبشة ، هاجرت أم حبيبة مع زوجها عُبيد الله بن جحش معَ من هاجر من الصحابة إلى الحبشة ، لقد تحمّلت أم حبيبة أذى قومها ، وهجر أهلها ، والغربة عن وطنها وديارها من أجل دينها وإسلامها وبعد أن استقرت في الحبشة جاءتها محنة أشد وأقوى ، فقد ارتد زوجها عن الإسلام وتنصّر ، تقول أم حبيبة -رضي الله عنها-
رأيت في المنام كأن زوجي عُبيد الله بن جحش بأسود صورة ففزعت ، فأصبحت فإذا به قد تنصّر ، فأخبرته بالمنام فلم يحفل به ، وأكبّ على الخمر حتى مات
الزواج المبارك
فأتاني آت في نومي فقال
يا أم المؤمنين ) ففزعت ، فما هو إلا أن انقضتْ عدّتي ، فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن ، فإذا هي جارية يُقال لها أبرهة ، فقالت
إن الملك يقولُ لك : وكّلي مَنْ يُزوِّجك ) فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكّلته ، فأعطيتُ أبرهة سِوارين من فضّة )
فلمّا كان العشيّ أمرَ النجاشي جعفر بن أبي طالب ومَنْ هناك من المسلمين فحضروا ، فخطب النجاشي فحمد الله تعالى وأثنى عليه وتشهد ثم قال
أما بعد ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إليّ أن أزوّجه أم حبيبة ، فأجبت وقد أصدقتُها عنه أربعمائة دينار ) ثم سكب الدنانير ، ثم خطب خالد بن سعيد فقال
قد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوّجته أم حبيبة ) وقبض الدنانير ، وعمل لهم النجاشي طعاماً فأكلوا
تقول أم حبيبة -رضي الله عنها-
فلمّا وصل إليّ المال ، أعطيتُ أبرهة منه خمسين ديناراً ، فردتّها عليّ وقالت
إن الملك عزم عليّ بذلك ) وردّت عليّ ما كنتُ أعطيتُها أوّلاً ثم جاءتني من الغَد بعودٍ ووَرْسٍ وعنبر ، وزبادٍ كثير -أي طيب كثير- ، فقدمتُ به معي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ولمّا بلغ أبا سفيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نكح ابنته قال
هو الفحلُ لا يُجْدَعُ أنفُهُ ) أي إنه الكُفء الكريم الذي لا يُعاب ولا يُردّ
عودة المهاجرة
لقد كانت عودة المهاجرة ( أم حبيبة ) عقب فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر ، عادت مع جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين الى الحبشة ، وقد سُرَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيّما سرور لمجيء هؤلاء الصحابة بعد غياب طويل ، ومعهم الزوجة الصابرة الطاهرة وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
والله ما أدري بأيّهما أفرحُ ؟ بفتح خيبر ؟ أم بقدوم جعفر )
الزفاف المبارك
وما أن وصلت أم حبيبة -رضي الله عنها- الى المدينة ، حتى استقبلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسرور والبهجة ، وأنزلها إحدى حجراته بجوار زوجاته الأخريات ، واحتفلت نساء المدينة بدخول أم حبيبة بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن يحملن لها إليها التحيات والتبريكات ، وقد أولم خالها عثمان بن عفان وليمة حافلة ، نحر فيها الذبائح وأطعم الناس اللحم
واستقبلت أمهات المؤمنين هذه الشريكة الكريمة بالإكرام والترحاب ، ومن بينهن العروس الجديدة ( صفية ) التي لم يمض على عرسها سوى أيام معدودات ، وقد أبدت السيدة عائشة استعدادا لقبول الزوجة الجديدة التي لم تُثر فيها حفيظة الغيرة حين رأتها وقد قاربت سن الأربعين ، وعاشت أم حبيبة بجوار صواحبها الضرائر مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل أمان وسعادة
أبو سفيان في بيت أم حبيبة
لقد حضر أبو سفيان ( والد أم حبيبة ) المدينة يطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يمد في أجل الهدنة التي تمّ المصالحة عليها في الحديبية ، فيأبى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الطلب ، فأراد أبو سفيان أن يستعين على تحقيق مراده بابنته ( زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم-) فدخل دار أم حبيبة ، وفوجئت به يدخل بيتها ، ولم تكن قد رأته منذ هاجرت الى الحبشة ، فلاقته بالحيرة لا تدري أتردُّه لكونه مشركاً ؟ أم تستقبله لكونه أباها ؟ وأدرك أبو سفيان ما تعانيه ابنته ، فأعفاها من أن تأذن له بالجلوس ، وتقدّم من تلقاء نفسه ليجلس على فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فما راعه إلا وابنته تجذب الفراش لئلا يجلس عليه ، فسألها بدهشة فقال
يا بُنيّة ! أرغبتِ بهذا الفراش عني ؟ أم بي عنه ؟) فقالت أم حبيبة
بلْ هو فراشُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت امرءٌ نجسٌ مشركٌ ) فقال
يا بُنيّة ، لقد أصابك بعدي شرٌّ ) ويخرج من بيتها خائب الرجاء
إسلام أبو سفيان
وبعد فتح مكة أسلم أبو سفيان ، وأكرمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ) ووصل هذا الحدث المبارك الى أم المؤمنين ( أم حبيبة ) ففرحت بذلك فرحاً شديداً ، وشكرت الله تعالى أن حقَّق لها أمنيتها ورجاءَها في إسلام أبيها وقومها
وفاتها
وقبل وفاتها -رضي الله عنها- أرسلت في طلب السيدة عائشة وقالت
قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فتحلَّليني من ذلك ) فحلّلتها واستغفرت لها ، فقالت
سررتني سرّك الله وأرسلت بمثل ذلك الى باقي الضرائر وتوفيت أم حبيبة -رضي الله عنها- سنة أربع وأربعين من الهجرة ، ودفنت بالبقيع
ميمونة بنت الحارث
أم المؤمنين
إنها والله كانت من أتقانا لله "
" وأوصلنا للرحم
السيدة عائشة
هي ميمونة بنت الحارث بن حَزْنِ بن بُجير بن الهُزم بن روبية بن عبد الله بن
هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية ، أخت أم الفضل زوجة العباس ، وخالة
عبد الله بن العباس ، وخالة خالد بن الوليد ، وكان اسمها برّة فسماها
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ميمونة ، تزوجها الرسول الكريم في ذي القعدة
سنة سبع لمّا اعتمر عمرة القضاء
عمرة القضاء
بعد أن عاد المسلمون الى مكة وأدوا العمرة كما تم الإتفاق عليه في صلح الحديبية ، أقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة ثلاثة أيام بعد العمرة ، وكان العباس -رضي الله عنه- قد زوّجه ميمونة بمكة وكان لها من العمر ست وعشرون عاماً ، فعقد عليها بمكة بعد تحلله من العمرة ، وبنى بها في سَرِف من عودته الى المدينة
بيت النبوة
وعند وصول ميمونة -رضي الله عنها- الى المدينة ، استقبلتها النسوة بالترحاب والتبريكات ، واسمها ميمونة أصبح من تلك المناسبة الميمونة التي دخل فيها المسلمون مكة معتمرين وبقيت -رضي الله عنها- تلقى كل البركات والخيرات كباقي نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولمّا اشتد المرض برسول الله وهو في بيتها ، استأذنت منها السيدة عائشة لينتقل النبي الى بيتها ليُمرّض حيث أحب بيت عائشة وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- عاشت ميمونة -رضي الله عنها- في نشر سنته بين الصحابة والتابعين
وفاتها
توفيت -رضي الله عنها- في عام إحدى وخمسين ، ولها ثمانون عاماً ، يقول عطاء
توفيت ميمونة ( بسَرف ) وهو المكان الذي بنى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فخرج هو وابن عباس إليها ، فدفنوها في موضع قبتها الذي كان فيه عرسها ) رضي الله عنها وأرضاها