زينب بنت جحش
أم المؤمنين
" أسرعكنّ لِحاقاً بي أطولَكُنَّ يداً "
حديث شريف
زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صيرة بن مرّة بن كثير بن غنم بن
دودان بن أسد بن خزيمة ، أم المؤمنين وأمُّها أميمة بنت عبد المطلب عمّة
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولدت بمكة قبل البعثة بسبع عشرة
سنة وكانت من المهاجرات الأول ، أسلمت قديماً
زواجها من زيد
كان زيد بن حارثة مولى للسيدة خديجة -رضي الله عنها- ، فلمّا تزوّجها الرسول -صلى الله عليه وسلم-وهَبَته له ، وتبناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأصبح زيد بن محمد ، وبعد الإسلام نزل قوله تعالى
وادعوهم لآبائهم ) فعاد من جديد زيد بن حارثة
وأما قصة زواجه من السيدة زينب تعود الى أن زينب قد خطبها عدّة من قريش فأرسلت أختها ( حمنة ) الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تستشيره ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
أين هي ممن يُعلّمها كتاب ربّها وسنّة نبيها ؟) قالت حمنة
ومن هو يا رسول الله ؟) قال
زيد بن حارثة ) فغضبت ( حمنة ) غضباً شديداً وقالت
يا رسول الله ! أتزوج ابنة عمّتك مولاك ؟!) وعادت الى زينب فأخبرتها ، فغضبت زينب وقالت أشد من قول أختها فأنزل الله تعالى
قال تعالى :"( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أنْ يكون لهم الخِيرة من أمرهم ")
فأرسلت زينب الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالت
إني استغفر الله وأطيع الله ورسوله ، افعل يا رسول الله ما رأيت ) فزوّجها الرسول -صلى الله عليه وسلم- زيداً ، فكانت أزراً عليه ، وشكاها زيد الى الرسول الكريم ، فعاتبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال لزيد
أمسِكْ عليك زوجك واتّق الله ) فقال زيد
أنا أطلقها ) وطلقها زيد -رضي الله عنه-
تزويج من السماء
وبينما الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند السيدة عائشة ، إذ أخذته غشيةٌ فسُرِّي عنه وهو يبتسم و يقول
من يذهب الى زينب يُبشِّرُها ؟) وتلا
قال تعالى
وإذْ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسكْ عليك زوجكَ واتقِ اللهَ وتُخْفي في نفسكَ ما اللهُ مُبْدِيه وتَخْشى الناس والله أحقُّ أن تخْشَاهُ ، فلمّا قضى زَيْدٌ منها وَطَراً زَوَّجْنَاكها لكي لا يكون على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدْعيائهم إذا قضوا منهنّ وَطَراً ، وكان أمْرُ اللهِ مَفْعولاً )
فعندما انقضت عِدّة زينب -رضي الله عنها- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لزيْد بن حارثة
اذهب فاذْكرها عليّ ) فانطلق حتى أتاها وهي تخمّرُ عجينها ، قال
فلمّا رأيتها عظمَتْ في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها ، وأقول إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرها فولّيتُها ظهري ، ونكصت على عقبي وقُلتُ
يا زينب أبشري أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرك ؟) قالت
ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أؤامِرَ ربيّ عز وجل ) فقامت الى مسجدها ونزل القرآن وجاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها
تقول السيدة زينب
لمّا انقضتْ عِدّتي لم أعلم إلا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دخل عليّ بيتي ، وأنا مكشوفة الشعر ، فعلمت أنه أُمِرَ من السماء ، فقلت
يا رسول الله : بلا خطبة ولا إشهاد ؟!) قال -صلى الله عليه وسلم-
الله زوّجَ وجبريل الشاهد ) وتزوّج الرسول -صلى الله عليه وسلم- امرأة زيد بعده ، وانتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أن الذي يتبنى غيره يصير ابنه
وكانت وليمة العرس حافلة مشهودة ، ذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- شاة ، وأمر ( أنس بن مالك ) أن يدعوَ الناس الى الوليمة ، فترافدوا أفواجاً أفواجاً ، يأكل كل فوج ويخرج ، ثم يدخل فوجٌ آخر ، حتى أكلوا كلُّهم
الفخر
لقد كانت السيدة زينب تفتخر بزواجها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتقول
يا رسول الله إني والله ما أنا كإحدى نسائِكَ ، ليست امرأة من نسائِك إلا زوّجها أبوها أو أخوها أو أهلها ، غيري زوّجِنيك الله من السماء ) وقد كانت -رضي الله عنها- تفتخر على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول
زوّجكُنّ أهاليكنّ ، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سموات ) فلمّا سمعتها السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت
أنا التي نزل عذري من السماء ) فاعترفت لها زينب -رضي الله عنها-
السخاء والجود
لقد سميت السيد زينب بأم المؤمنين ومفزع اليتامى وملجأ الأرامل ، وقد اكتسبت تلك المكانة بكثرة سخائها وعظيم جودها ، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لنسائه
أسْرعكُنّ لحاقاً بي أطوَلَكُنّ يداً ) تقول السيدة عائشة
كنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نمدُّ أيدينا في الجدار نتطاول ، فلم نَزَل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ، ولم تكن بأطولنا ، فعرفنا حينئذٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد طولَ اليدِ بالصدقة ، وكانت زينب امرأةً صناعَ اليد ، فكانت تَدْبَغُ وتخرزُ وتتصدق به في سبيل الله تعالى )
وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عطاؤها اثني عشر ألفاً ، لم تأخذه إلا عاماً واحداً ، فجعلت تقول
اللهم لا يدركني هذا المالُ من قابل ، فإنه فتنة ) ثم قسّمته في أهل رَحِمِها وفي أهل الحاجة ، فبلغ عمر فقال
هذه امرأة يُرادُ بها خيراً ) فوقف عليها وأرسل بالسلام ، وقال
بلغني ما فرّقت ، فأرسل بألف درهم تستبقيها ) فسلكت به ذلك المسلك
وفاتها
توفيت السيدة زينب سنة عشرين من الهجرة وهي بنت خمسين ، وصلّى عليها عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، ودُفنت في البقيع -رضي الله عنها-
قالت السيدة عائشة
رحِمَ الله زينب ، لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ، إن الله زوّجها ، ونطق به القرآن ، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لنا
وأسْرَعَكُنّ بي لُحوقاً أطولكُنَّ باعاً ) فبشَّرها بسرعة لحوقها به ، وهي زوجته في الجنة )
صفية بنت حُييّ بن أخطب
أم المؤمنين
إنك لبنتُ نبيّ وإنّ عمّك لنبيّ ، وإنّك لتحت نبيّ "
" فبِمَ تفخرُ عليكِ
حديث شريف
هي صفية بنت حُيَيِّ بن أخطب بن سعيد ، من ذرية نبي الله هارون عليه
السلام من سبط اللاوي بن يعقوب -نبي الله إسرائيل- بن اسحاق بن إبراهيم
عليه السلام ، ولِدَت -رضي الله عنها- بعد البعثة بثلاثة أعوام ، وكانت
شريفة عاقلة ، ذات حسبٍ وجمالٍ ، ودين وتقوى ، وذات حِلْم ووقار
فتح خيبر
لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة ، وأقبل هلال المحرم من أول السنة السابعة تهيأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز ، فخرج -صلى الله عليه وسلم- مع ألف وأربعمائة مقاتل في النصف الثاني من المحرّم الى خيبر ( معقل اليهود ) و سار يفتح حصون خيبر ومعاقلها واحداً إثر واحد ، حتى أتى القموص ( حصن بني أبي الحُقين ) ففتحه ، وجيء بسبايا الحصن ومنهنّ صفية ومعها ابنة عمّ لها ، جاء بهما بلال -رضي الله عنه- ، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكّت وجْهها وصاحت ، وحثت التراب على وجهها ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
أغربوا هذه الشيطانة عني ) وصفية ثابتة الجأش رزينة ، فأمر بصفية فجُعِلت خلفه ، وغطى عليها ثوبه ، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه ، وقال لبلال
أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تَمُرُّ بالمرأتين على قتلاهما ؟)
رؤيا البشارة
وقبل ذلك كانت صفية قد رأت أن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها ، فذكرت ذلك لأمها فلطمت وجهها وقالت
إنّك لتمدّين عُنُقك إلى أن تكوني عند مَلِك العرب ) فلم يزل الأثر في وجهها حتى أُتيَ بها الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلمّا سألها عنه أخبرته ، فكبرت في نفسه حين سمع منها هذه البشارة التي زفُها الله تعالى إليها في هذه الرؤيا الصالحة ، وواسى آلامها وخفّف من مُصابَها ، وأعلمها بأن الله تعالى قد حقق رؤياها
وقد قال لها الرسول -صلى الله عليه وسلم-
هلْ لك فيّ ؟) يرغّبها بالزواج منه ، فأجابت
يا رسول الله ، قد كنتُ أتمنى ذلك في الشرك ، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام ) فأعتقها -صلى الله عليه وسلم- وتزوجها ، وكان عتقُها صداقُها
الزواج المبارك
ولما أعرس الرسول -صلى الله عليه وسلم- بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جمّلتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومشّطتها وأصلحت من أمرها ، أم سليم بنت مِلحان أم أنس بن مالك ، فبات بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد متوشحاً سيفه يحرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله ، فلما رأى مكانه قال
مالك يا أبا أيوب ؟) قال
يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ) فزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني )
قدوم المدينة
لمّا قدمت صفية -رضي الله عنها- من خيبر ، أنزلت في بيت الحارث بن نعمان فسمع نساء الأنصار ، فجئن ينظرن الى جمالها ، وجاءت السيدة عائشة متنقبة ، فلما خرجت ، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على أثرها فقال
كيف رأيت يا عائشة ؟) قالت
رأيتُ يهودية ) فقال -صلى الله عليه وسلم-
لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسُنَ إسلامها )
بيت النبوة
وما أن حلّت صفية -رضي الله عنها- بين أمهات المؤمنين شريكة لهن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، حتى أثارت حفيظة بعضهن ، وقد لاحظت هي ذلك ، فقدمت لهنّ بعض الحلي من الذهب كرمز لمودتها لهن ، كما قدمت أيضاُ لفاطمة -رضي الله عنها-
ومن بعض المواقف التي حصلت بين الضرائر ، بلغ صفية أن حفصة قالت لها
بنت يهودي ) فبكت فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي فقال
ما شأنك ؟) قالت
قالت لي حفصة إني بنت يهودي ) فقال لها النبي
إنك لبنتُ نبيّ ، وإنّ عمّك لنبيّ ، وإنّك لتحت نبيّ ، فبِمَ تفخرُ عليكِ ) ثم قال
اتق الله يا حفصة )
وقد حج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنسائه ، فبرك بصفية جملها ، فبكت وجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم- لمّا أخبروه ، فجعل يمسح دموعها بيده ، وهي تبكي وهو ينهاها ، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس ، فلمّا كان عند الرواح ، قال لزينب
أفقري أختك جملاً ) أي أعيريها إياه للركوب ، وكانت أكثرهن ظهراً ، فقالت
أنا أفقِرُ يهوديتك ؟!) فغضب -صلى الله عليه وسلم- فلم يكلّمها حتى رجع الى المدينة ، ومحرّم وصفر فلم يأتها ، ولم يقسم لها ويئست منه ، حتى جاء ربيع الأول ، وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حُسْنِ معاشرته ل(صفية) يبدلها الغم سروراً ، والغربة أنساً
فضلها
كانت -رضي الله عنها- صادقة في قولها ، وقد شهد لها بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعندما اجتمع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفي فيه ، قالت صفية
إني والله لوددت أن الذي بك بي ) فغَمَزْنَ أزواجه ببصرهن فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
مضمِضْنَ ) أي طهّرن أفواهكنّ من الغيبة قُلْنَ
من أي شيء ؟) فقال
من تغامزكنّ بها ، والله إنها لصادقة )
كما أن صفية -رضي الله عنها- كانت حليمة تعفو عند المقدرة ، فقد ذهبت جارية لها الى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقالت
إن صفية تُحبّ السبت وتصِل اليهود ) فبعث إليها عمر فسألها عن ذلك ، فقالت
أمّا السبت فإني لم أحِبّه منذ أبدلني الله به الجمعة ، وأما اليهود فإن لي فيهم رحِماً فأنا أصلها ) فلم يجب عمر ثم قالت للجارية
ما حملك على هذا ؟) قالت
الشيطان ) فقالت
اذهبي فأنت حرة )
كما اتصفت -رضي الله عنها- بعمق الفهم ودقة النظر ، فقد اجتمع نفر في حُجرةِ صفية ، فذكروا الله وتلو القرآن وسجدوا ، فنادتهم صفية -رضي الله عنها-
هذا السجود وتلاوة القرآن ، فأين البكاء ؟) فقد طالبتهم بالخشوع لله تعالى والخوف منه وهذا ما تدل عليه الدموع
محنة عثمان
لقد شاركت صفية -رضي الله عنها- في محنة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فقد قَدِمت على بغلةٍ مع كنانة مولاها لترد عن عثمان ، فلقيهم الأشتر النخعي ، فضرب وجْه البغلة ، فلما رأت فظاظته ووحشيته قالت
رُدّوني لا يفضحني ) ثم وضعت حسناً -رضي الله عنه- بين منزلها ومنزل عثمان ، فكانت تنقل إليه الطعام والماء
وفاتها
توفيت -رضي الله عنها- حوالي سنة خمسين للهجرة ، والأمر مستتب لمعاوية بن أبي سفيان ، ودفنت في البقيع مع أمهات المؤمنين
مارية القبطيّة
مولاة الرسول
" استوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذِمّة ورحِماُ "
حديث شريف
هي مارية بنت شمعون القبطية ، أهداها له المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية
ومصر ، وذلك سنة سبع من الهجرة ، أسلمت على يدي حاطب بن أبي بلتعة وهو
قادم بها من مصر الى المدينة ، وكانت -رضي الله عنها- بيضاء جميلة ، وكان
الرسول -صلى الله عليه وسلم- يطؤها بملك اليمين ، وضرب عليها الحجاب ، وفي
ذي الحجة سنة ثمان ولدت له إبراهيم الذي عاش قرابة السنتين ، وكانت أمها
روميّة ، ولها أخت قدمت معها اسمها سيرين ، أهداها النبي -صلى الله عليه
وسلم- لشاعره حسّان بن ثابت ، وقد أسلمت أيضاً مع أختها
هدايا المقوقس
بعد أن استتب الأمن للمسلمين ، وقوية هيبتهم في النفوس ، أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوجه الرسل والسفراء لتبليغ رسالة الإسلام ، ومن أولئك ( المقوقس عظيم القبط ) وقد أرسل حاطب بن أبي بلتعة رسولاً إليه وعاد حاطب الى المدينة مُحَمّلاً بالهدايا ، فقد أرسل المقوقس معه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشياء كثيرة : مارية وأختها سيرين ، وغلاماً خصياً أسوداً اسمه مأبور ، وبغلة شهباء ، وأهدي إليه حماراً أشهب يقال له يعفور ، وفرساً وهو اللزاز ،وأهدى إليه عسلاً من عسل نبها -قرية من قرى مصر-
وقبِل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الهدايا ، واكتقى بمارية ، ووهب أختها الى شاعره حسان بن ثابت وطار النبأ الى بيوتات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قد اختار مارية المصرية لنفسه ، وكانت شابة حلوة جذابة ، وأنه أنزلها في منزل الحارث بن النعمان قرب المسجد
مارية أم إبراهيم
ولقد سعدت مارية أن تهب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الولد من بعد خديجة التي لم يبقَ من أولادها سوى فاطمة -رضي الله عنها- ، ولكن هذه السعادة لم تُطل سوى أقل من عامين ، حيث قدّر الله تعالى أن لا يكون رسوله -صلى الله عليه وسلم- أباً لأحد ، فتوفى الله تعالى إبراهيم ، وبقيت أمه من بعده ثكلى أبَد الحياة
فقد مَرِض إبراهيم وطار فؤاد أمه ، فأرسلت إلى أختها لتقوم معها بتمريضه ، وتمضِ الأيام والطفل لم تظهر عليه بوارق الشفاء ، وأرسلت الى أبيه ، فجاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليرى ولده ، وجاد إبراهيم بأنفاسه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَدَمِعَت عيناه وقال
تَدْمَع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يُرْضي ربَّنا ، والله يا إبراهيم ، إنا بك لَمَحْزونون )
وصية الرسول
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
إنّكم ستفتحون مِصر ، وهي أرض يُسمّى فيها القيراط ، فإذا فتحتوها فأحسنوا إلى أهلها ، فإن لهم ذمة ورَحِماً ) وقد حفظ الصحابة ذلك ، فهاهو الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يكلّم معاوية بن أبي سفيان لأهل ( حفن ) -بلد مارية- فوضع عنهم خراج الأرض كما أن عبادة بن الصامت عندما أتى مصر فاتحاً ، بحث عن قرية مارية ، وسأل عن موضع بيتها ، فبنى به مسجداً
وفاتها
وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقيت مارية على العهد إلى أن توفاها الله في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شهر محرم سنة ست عشرة رضي الله عنها وأرضاها